يقصد بالقيمة في الفكر الإسلامي بأنها المثل العليا التي ينظر إليها المسلم، والتي تحكم فكره وسلوكياته مع نفسه ومع أفراد المجتمع الذي يعيش فيه، كما أنها المرشد والموجه له في أعماله وتصرفاته.


ويقصد بالقيم الإيمانية : بأنها المبادئ والأحكام والأصول الثابتة المستنبطة من مصادر الشريعة الإسلامية والتي تعتبر المرجع للأعمال الصالحة المطابقة لشرع الله عز وجل، ويعتبر الالتزام بها من دليل الإيمان بالله سبحانه وتعالى وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الاخر وبالقضاء خيره وشره، وهذه القيم الإيمانية واجبة التطبيق والالتزام بها من قبل المسلمين في كافة نواحي الحياة ومنها في مجال مهنة المحاسبة وتتمثل القيم الإيمانية للمحاسب في الآتي.


1- الإيمان الصادق بأن الله سبحانه وتعالى المالك الأصلي والحقيقي للأموال التي هي موضع عملية المحاسبة وأساس ذلك قول الله تبارك ونعالى: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) (الحديد : 7)، وقوله عز وجل: (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) (النور :33).


وهذا يوجب على المحاسب أن يلتزم بشريعة المالك الأصلي لهذه الأموال ألا يخالفها مهما كانت الظروف، فعندما يعرض عليه عمل ليثبته في الدفاتر أو إعداد تقارير محاسبية عنه يلزم أن يعرضه على شريعة الله تبارك وتعالى فإن وافقها اعتمدوه وإن لم يوافقها يرده، ويقدم البديل الإسلامي لهذا العمل الذي رده ثم يصر على التصويب حسب الشرع، فعلى سبيل المثال إن قابل المحاسب عملية رشوة أو ربا أو شراء خمر أو إسراف أو تبذير عليه أن يعترض عليه حتى ولو كانت مستوفاة المستندات، ولقد أشار الله تبارك وتعالى إلى ذلك في آية كتابة المال بقول الله تبارك وتعالى: (وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ) (البقرة : 282).


2- الإيمان الواضح بأن مزاولة عملية المحاسبة عبادة وشكر لله سبحانه وتعالى مادام يلتزم بالشريعة الإسلامية، لأن أي عمل يقوم به الإنسان للحصول على الكسب الطيب الحلال ليعينه ويعين المسلمين على تعمير الأرض فهو عبادة لله، ولقد قرن الله سبحانه وتعالى العبادة بالعمل فقال عز وجل: (فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) (الجمعة :10)، ويؤكد صلى الله عليه وسلم على الجانب التعبدي فيقول : "طلب الحلال فريضة بعد الفريضة" ( رواه الطبراني)، وقوله عليه الصلاة والسلام "أن من الذنوب ذنوبا لا تكفرها الصلاة ولا الحج ولا العمرة ولكن يكفرها الهموم في طلب الرزق" (رواه أبو نعيم)


وهذا الاعتقاد الإيماني يجعل المحاسب في الفكر الإسلامي يعمل بإخلاص وصدق ولا يتأثر بمضايقات رؤسائه، أو قلة أجره ونحو ذلك، ولا يجعل الدنيا والمادة أكثر همه، بل يلتزم بالحق ويصبر عليه ويوقن أن رضا الناس في سخط الله تبارك وتعالى له حرام، وعليه أن يخشى الله تبارك وتعالى ولا يخشى الناس، وهذا من موجبات الحياد والموضوعية والاستقلال.


3- الإيمان اليقيني بأن الله سبحانه وتعالى يراقب تصرفاته وأعماله ومنها عمليات المحاسبة، وأن هناك ملائكة تسجل كل أعماله صغيرها وكبيرها في صفحته ، وهذا يطلق عليه علماء الإسلام بالرقابة الذاتية وأساس ذلك قول الله تبارك تعالى: "وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (الحديد :40) وفي هذا الخصوص يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الإحسان فقال: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" (رواه مسلم) وهذا الاعتقاد يجعل المحاسب دائم الحذر من أن يسجل له في صفحته أي عمل لا يرضي الله تبارك وتعالى عنه ويكون متأكدا من أن كافة المعاملات التي يقوم بإثباتها مطابقة تتم وفقا لشريعة الله تبارك وتعالى.


4- الإيمان القوي بالحساب في الآخرة وأن له وقفة مع الله سبحانه وتعالى يحاسبه عن عمله وعن ماله وعن كل شيء، وأساس ذلك قول الله تبارك وتعالى: "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ" (الأنبياء :47)، وقوله جل شأنه: "فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون" (الحجر: 92– 93)، وفي هذا الصدد يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لن تزول قدم عبد يوما القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه، وعن عمله ماذا عمل به ؟" (رواه أحمد).


وقوله  الله عليه وسلم: "الدنيا خضرة حلوة من أكتسب فيها مالا من غير حلة أنفقه في غير حقه، أحله الله دار الهوان، ورب متخوض في مال الله ورسوله، له النار يوم القيامة" (أخرجه البيهقي ) ، وفي هذا الخصوص يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته وهو مسئول، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسئولة والعبد راع على مال سيده وهو مسئول، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" (رواه الإمام أحمد)، وبذلك يعتبر المحاسب مسئولا أمام نفسه وأمام الله في الآخرة عما استرعاه الله فى المحافظة على الأموال بالعدل.


وهذا الاعتقاد يجعل المحاسب يستشعر عظمة الوقفة أمام الله تبارك وتعالى ليحاسبه عن عمله، وبذلك يخاف من أن يقوم بعمل من أعمال المحاسبة يتعارض مع شريعة الله تبارك وتعالى مهما كانت الأسباب، وهذا في حد ذاته يعتبر من أهم ضوابط عملية المحاسبة في الفكر الإسلامي.


تؤثر القيم الإيمانية السابقة على عمل المحاسب ومن تقدم لهم التقارير المحاسبية وتكون غايتهم العليا هي بذل الجهد لنجاح مؤسستهم وأنه سوف يجزى الجزاء الأوفى ويتحول جهده وسعيه إلى عبادة ويؤدي عمله بكفاءة عالية من الإتقان والإحسان.


منقول للإفادة