هناك مجموعة عوامل تجعل المصارف الإسلامية والقائمين عليها يدركون أهمية تنمية مواردها البشرية وهياكلها وعلاقاتها من أجل بناء أصول فكرية توظّفها لخدمة أهدافها الإستراتجية، نجد من بينها العوامل التالية:
1. تطوّر حجم الصناعة المصرفية الإسلامية:
إنّ الصناعة المالية الإسلامية في نمو مطّرد بسبب الإقبال المتزايد على خدماتها وعلى تبني أفكارها من قبل العديد من المصارف والدول في العالم، وما كان هذا ليتأتى لولا خصوصية المعرفة والفكر المنتهج في أداء العمل المالي في المصارف الإسلامية، ذلك الفكر الذي بُني على تعاليم الدين الإسلامي وضوابطه الشرعية. وتشير التقارير والإحصائيات التي تصدر من عدة هيئات إسلامية المكانة التي وصلت إليها المالية الإسلامية بما فيها المصارف الإسلامية، وفي تقديرهم للوضع مستقبلا ذكر خبراء في المجال أن كافة المؤشرات المتعلقة المصارف والمؤسسات الإسلامية ستواصل نموها وارتفاعها بدءا بعددها الذي يُقدر وصوله إلى 800 مؤسسة، وكذلك عدد العاملين فيها الذي يُتوقع أن يصل نصف مليون موظف، إضافة إلى إجمالي أصولها الذي قد يصل إلى أكثر من 3 تريليون دولار، وكل هذه التقديرات خُصَّت لسنة 2015 (صحيفة الاقتصادية، 2007).
هذا الانتشار غير المسبوق للمصرفية الإسلامية برزت معه متطلّبات وتحدّيات عديدة من بينها أن هذا التوسّع والانتشار يتطلّب موارد لتحقيقه على أرض الواقع لعلّ أبرزها وأهمّها توفر العنصر البشري المؤهل والمدرك لمفاهيم الصيرفة الإسلامية، وهذا المورد يتطلّب توفير قاعدة معرفية حول أساسيات العمل الإسلامي وبناء قوّة عمل مسلّحة بالمعرفة الشّرعية والمصرفية لتقديم أفضل خدمة للعملاء والمستثمرين.
2. المنافسة القوية:
في بداية نشأتها كانت المصارف الإسلامية تحاول إثبات وجودها وتسويق أفكارها الإسلامية وكانت بالكاد تُعدّ على الأصابع، اليوم وبعد مرور عقود مذاك هاهي تجد لها مكانة في بيئة الأعمال المصرفية، وأصبحت قادرة على تجاوز العقبات التي اعترضتها سابقاً، وأصبح لها وجود يضاهي كبريات المصارف في العالم، ومكّنها ذلك من منافسة المصارف التقليدية وزعزعة عرش النظام المالي التقليدي على الصناعة المصرفية في العالم، ومازال الحال كذلك خصوصاً في السنوات الأخيرة، فقد قاد صمود المؤسسات المالية الإسلامية أمام الاضطراب المالي الرّاهن العديد من المحلّلين، إلى الخروج بمقدرة التمويل الإسلامي ونظام الصيرفة الإسلامية على تقديم الحل لعلاج ضعف النظام المالي التقليدي وبإمكانه أن يكون البديل المجدي له (تقارير مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية 2009: 02).
وتجلّت أبرز مظاهر المنافسة بين المصارف الإسلامية والمصارف التقليدية في إقدام الأخيرة على تقديم منتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية وهذا بسبب تنامي الطّلب على تلك المنتجات، فافتتحت أقساما وفروعا خاصة بذلك حتى تجذب إليها شريحة جديدة من العملاء ممّن يفضلون التعاملات المصرفية الإسلامية (www.almasrifiah.com, 2010)، إضافة إلى ذلك لا يمكن أن نغفل أهمية المنافسة بين المصارف الإسلامية وبين بعضها البعض، فهذه العملية تقود في النهاية إلى النهوض بالعمل المصرفي الإسلامي وسمعته طالما أن كل مصرف إسلامي يحاول أن يحسن مكانته ويرضي عملاءه من خلال تقديم خدمات مصرفية إسلامية ذات جودة عالية.
هذا كلّه يزيد من الضغط على المصارف الإسلامية لتزيد من قدراتها التنافسية، لذلك عليها أن تتجه نحو تعزيز قدرات مواردها البشرية وتؤهلها لتقديم خدمات مصرفية غاية في الجودة على كافة المستويات وعلى رأسها العلم بمقاصد الشّريعة فيما يخص العمل المصرفي الإسلامي، إذ يجب أن تبني لها قوّة فكر جماعية ومتميّزة تدعّم أهدافها التنافسية من خلال كسب عملاء جدد والمحافظة على علاقات المصرف مع عملائه الحاليين.
3. التطوّرات التكنولوجية والاقتصادية:
لسنا بحاجة لشرح مطول لندرك حقيقة التطور التكنولوجي والعلمي والاقتصادي الذي يشهده العالم فيكفي ما يقال عنه أن الثابت الوحيد فيه هو التغيير، وأي منظمة يجب أن تتسلح بما يمكنها من مواجهة التغيير الذي يحصل على كافة المستويات، وليس ضخامة مواردها المالية وسوقها المتّسع ومكانتها بالذي يُنجيها من كارثة قد تحلّ بدارها لأن ذلك قد ينضب بسرعة البرق، ولكن سفينة نجاتها أن تنشر وعياً وإدراكاً وتربي كادراً بشرياً يملك من المهارات والمعارف والخبرة الميدانية ويؤمن بثقافة منظمته وقيمها ويحترمها ما يجعله قادرا على التكيف ومواجهة أي تغيير يطرأ تكنولوجيا كان أو اقتصاديا واستيعابه خدمة لأهداف المنظمة، وهذا بالضّبط ما يجب أن تعيه وتدركه المصارف الإسلامية.
4.خصوصية المعرفة الإسلامية:
إنّ ما يميّز العمل المصرفي الإسلامي هو إسلامية الكيان، فهو يتطلب الالتزام بمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية المبنية على ثلاثية العقيدة والأخلاق والفقه (عبد الستار أبو غدة، 2006: 04)، وهذه الثلاثية يجب أن تنعكس في تصرفات العاملين في المصارف الإسلامية، فالعمل الإسلامي له خصوصية وأسس تختلف عن تلك التي يقوم عليها النظام المصرفي التقليدي كتحريم التعامل بالفائدة المصرفية ومبدأ المشاركة في الربح والخسارة إضافة إلى هدف التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع، وبالتّالي يجب أن يكون التوجّه على هذا الأساس بحيث يجب على المصارف الإسلامية أن تحرص جاهدة على ضمان توافر المعرفة بالضّوابط الشّرعية وفهمها من قبل الموارد البشرية العاملة فيها، وهذا ما يجعلنا نقول أنه يجب تنمية مهارات وقدرات تلك الموارد البشرية في إطار رسالة العمل المصرفي الإسلامي.
5.الحاجة إلى تطوير منتجات مصرفية إسلامية جديدة:
إنّ الابتكار والإبداع مطلبان أساسيان لبناء ميزة تنافسية مستدامة لأي منظمة أعمال، وقد يقول قائل أن المنتجات في المصارف الإسلامية واضحة ومعروفة وليس لأحد من الموظفين فيها أن يبتكر شيئاً جديداً، عليه فقط الاهتمام بتطبيق ما هو موجود من خدمات، وكأنّ الصيرفة الإسلامية وصلت حد التشبّع ولا مجال لابتكار المزيد من منتجاتها، وهو أحد أبرز التحديات للصناعة المالية والمصرفية الإسلامية (محمد البلتاجي، 2010: 09).
لكن بإمكان المصارف الإسلامية تطوير الأدوات المصرفية الإسلامية القائمة واستحداث الجديد منها بغية حشد المزيد من الموارد، وإيجاد قنوات جديدة لتوظيفها وبشكل يغطي احتياجات الأفراد ويتوافق مع متطلبات العصر (شحادة قنديل علي، 1990: 198)، ويمكن للمصارف الإسلامية محاكاة بعض المنتجات المصرفية التقليدية وتعديلها وفق أحكام الشريعة بحيث يجوز تطبيقها على أرض الواقع فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل منتجات تعامل بها أهل الجاهلية بعد أن عدّل منها ما تطلب تعديله (بوهراوة سعيد، 2010: 08)، وشَرْع من قبلنا شَرْعٌ لنا إن لم يخالف شرعنا.
وسواء كان المنتج المطوّر ابتكاراً أو محاكاة لآخر تقليدي باستطاعة المصارف الإسلامية أن تعزّز القدرات الإبداعية والابتكارية للعاملين فيها من خلال العمل على تطوير معارفهم ومهاراتهم في كافّة المجالات، وفي هذا السّياق يشير أحد الدارسين في جامعة موناش الأسترالية قائلاً "يتطلب على الصيرفة الإسلامية، التي تنمو 25% سنوياً، ضخ جزء من استثماراتها لتطوير مواردها البشرية" لأنّ المواهب تعدّ بمثابة محرّك الإبداع نحو ابتكار وإنشاء منتجات إسلامية مستقبلية لإخراج هذه الصناعة من النّقص الحاد الذي تعانيه بهذه المنتجات (صحيفة الاقتصادية الالكترونية،2007: العدد 4856).
6. إساءة استخدام المصرفية الإسلامية:
تحتاج المصارف الإسلامية لبناء قاعدة فكرية واضحة المعالم والتفاصيل سواء لعامليها أو عملائها لأن هناك حقيقة ذكرتها عدة أبحاث ودراسات وهي أنه قد يقع سوء فهم لمقاصد الشّريعة بخصوص تعامل مصرفي أو مالي ما وبالتالي يسوء استخدام بعض المنتجات المالية الإسلامية فتنحرف عن إسلاميتها وشرعيتها بحكم قربها ربما أو تشابهها مع منتجات ربوية، وهذا يرجع طبعا إلى النقص الواضح في إدراك العاملين لمبادئ العمل المصرفي الإسلامي إمَّا لخلفيتهم وخبرتهم الربوية أو لنقص الخبرة العملية والتطبيقية لأداء العمل، فتجد من العاملين من لا يفرق بين المرابحة والقرض الربوي مثلاً، لذلك اكتساب الموظف في المصرف الإسلامي للمعرفة العلمية والتطبيقية وتوفّرها في كل وقت أمر حتمي لا نقاش فيه.
7. ظاهرة التحوّل نحو المصرفية الإسلامية:
لم يعد العمل المصرفي الإسلامي مقتصراً على المصارف الإسلامية فحسب بل تجاوزها ليتم تقديمه من طرف بعض المصارف تقليدية، فكانت بذلك ظاهرة تحول هذه الأخيرة نحو النشاط المصرفي الإسلامي سواء بشكل كلي أو جزئي، وعرفت هذه الظاهرة انتشاراً واسعا من المنطقة العربية إلى مصارف في شتى أنحاء العالم. وأياً كان الدافع وراء انجذاب المصارف التقليدية نحو المصرفية الإسلامية إلا أن العملية تتطلب دراسة وجهداً كبيرين حتى تنجح وتحقق أهدافها، ومن بين التحديات التي واجهتها عملية التحول هو كيفية تدريب العاملين وتنميتهم وتحفيزهم نحو العمل المصرفي الإسلامي (مصطفى مصطفى إبراهيم، 2006: 121)، فالأساس في التحوّل هو وضوح الرّؤية لدى إدارة المصرف التقليدي والعاملين فيه وبالتالي فإن نقطة الانطلاق نحو التحوّل تمس فكر الأفراد واقتناعهم بالفكر الجديد أي الفكر الإسلامي.