الضوابط الشرعية
للتمويل و لاستثمار الأموال
إعداد
د. عبد الستار أبوغدة
الأمين العام للهيئة الشرعية الموحدة- مجموعة دله البركة
الخبير الشرعي بمصرف سورية المركزي
فندق الفورسيزنز
دمشق 12-13 /3/2007م
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله و صحبه
و بعد ،فإن مسيرة الصناعة المصرفية الإسلامية قد مرت بمراحل بدءا بالتعريف بها وبذل الجهود للاعتراف بها ، و انتهاء بمرحلة التنظير ( استدراكا لكونه تأخر كثيرا عن التطبيق ) ومواصلة مرحلة التطوير لكي تواكَب المنتجاتُ المصرفية الإسلامية – في مجال التمويل ولاستثمار الأموال – متطلبات السوق ، وتشكَل بدائلَ عما ساد فيها من تطبيقات مجافية للشريعة .
و قد شملت مرحلة التطوير شتى المجالات المصرفية حتى ما كان منها حساسا مثل الضمان للاستثمارات بآليات لا تعد من الضمان المباشر ، و اقتراح أدوات تقليل المخاطر أو الحماية منها ، و هي طرق التحوط الإسلامية .
و إن إبراز موضوع الضوابط هو على قدر كبير من الأهمية لاستيعاب الموجود من المنتجات المطوّرة و إضافة المزيد إليها .
وفي اطار هذا الاهتمام أقدم هذه الورقة بشأن الضوابط الشرعية للتمويل و لاستثمار الأموال .
و الله الموفق و الهادي إلى سواء السبيل ،،،
تمهيد :
إن الضوابط المنتجات المالية الإسلامية تشمل كلا من :
- تحويل ( أو اسلمة )منتجات تقليدية قائمة .
- طرح منتجات مبتكرة بصفتها بدائل عن منتجات تقليدية غير قابلة للتصحيح .
- اقتراح صيغ جديدة مستخلصة من المبادئ الشرعية و المدونات الفقهية .
و الحاجة قائمة إلى الأنواع الثلاثة المشار إليها أعلاه لتحقق أهداف المؤسسات الإسلامية .باعتبارها مؤسسات لتجميع الأموال و توظيفها – طبقا للشريعة –فيما يخدم بناء المجتمع المتكافل و يحقق عدالة التوزيع ووضع المال في مساره الصحيح الذي شرعه الله تعالى .
وتهدف البنوك الإسلامية إلى :-
1- الالتزام بإحكام الشريعة الإسلامية في أوجه النشاط و العمليات المختلفة التي تقوم بها- وأتباع قاعدة الحلال و الحرام في ذلك .
2- تنمية القيم العقائدية و الأخلاقية في المعاملات ،و تثبيتها لدى العاملين و المتعاملين معها .
3- تحقيق العدل و منع الظلم و البغي وذلك بتطبيق القاعدة الشرعية الغنم بالغرم ،بتحمل استثمارات البنك مخاطر المشاركات و المضاربة بأموالها مع المتعاملين معها .
4- تقديم البديل الإسلامي لكافة المعاملات المصرفية لرفع الحج عن المسلمين ، وذلك في مجال التمويل و الاستثمار و الخدمات المصرفية .
5- تشجيع الاستثمار و عدم الاكتناز من خلال إيجاد فرص و صيغ عديدة للاستثمار تتناسب مع الأفراد و الشركات .
6- تحقيق تضامن فعلي بين أصحاب الفوائض المالية و أصحاب المشروعات المستخدمين لتلك الفوائض عن طريق البنك ،وذلك بتوزيع عائد للمودعين من نتائج توظيف الأموال لدى هؤلاء المستخدمين للفوائض ربحا و خسارة .
7- توفير الأموال اللازمة لأصحاب الأعمال بالطرق المشروعة بغرض دعم المشروعات الاقتصادية النافعة .
8- مساعدة المتعاملين معها في أداء فريضة الزكاة على الأموال ،و تقديم الخدمات المتنوعة في المجالات الاجتماعية [1]
والتطوير لا يكون بتغير الأسماء أو القوالب مع بقاء الجوهر المشتمل على أمور محرمة ،و إنما يجب أن يراعى التمسك بما دعاه احد الباحثين من رواد العمل المصرفي و هو د.سامي حمود رحمه الله بقوله :
ومن هذا المنطلق الهادف ، فإننا نستطيع أن نحدد فيما يلي الخطوط العريضة للمرتكزات الأساسية التي هي أساس التطوير المقترح للأعمال المصرفية من اجل تطويعها للشريعة الإسلامية مع المحافظة – في نفس الوقت – على الغايات و الأهداف التي يمكن تحقيقها عن طريق هذه الإعمال .
و تتلخص هذه المرتكزات الأساسية فيما يلي :
1- تخليص الأعمال المصرفية من كافة أشكال التعامل الربوي-جليا كان أو خفيا – وذلك عن طريق محاولة فهم الربا و توضيح مسائله و ضوابطه ،من اجل معرفة المواطن التي يتحقق فيها في نطاق هذه الأعمال .
2- إبراز عنصر الخدمة المصرفية كعمل متميز عن الأعمال الربوية وذلك على أساس انه يمثل منفعة مشروعة تقابل بالأجر وكونه عملا موجبا لاستحقاق الربح الحلال .
3- وضع الأسس التطبيقية لتنظيم الاستثمار بالأسلوب المصرفي الخاضع للضوابط الشرعية العامة المنظمة لعلاقة رأس المال بالعمل ،وذلك مع مراعاة تحوير أشكال العلاقات التعاقدية الموضوعة لتتفق مع الحاجات المعاصرة للمجتمعات الحديثة .
وبذلك يتكامل انسجام الأعمال المصرفية في غاياتها ووسائلها مع المقاصد و الوسائل الشرعية ،دون حاجة لسلوك الطرق المعوجة فيما لا طائل فيه و لا غنى من ورائه ، بما لا يخفى على الله و لا ترضى عنه الناس [2] .
إن بيان الضوابط الشرعية للمنتجات المالية يقتضيه ما حققه العمل المصرفي الإسلامي من نمو فقد شهد هذا العقد التنامي السريع للبنوك الإسلامية ،و ظهور عدد كبير من الأوعية الاستثمارية المشتركة التي تدار بالطرق المشروعة ،و بشكل خاص صناديق الاستثمار الإسلامية العاملة في مجال التأجير ، والعقارات ، والأسهم ، والسلع ، وغيرها ، وكذلك اهتمام البنوك التقليدية بشكل متزايد بمجال العمل المصرفي الإسلامي ، واستجابتها للتعامل مع البنوك الإسلامية بالصيغ والعقود و المنتجات المقبولة شرعا و المصممة خصيصا لهذا التعاون ،ثم تنظيمها لهذا النشاط الجديد من خلال تكوينها لنوافذ إسلامية تدير تلك المنتجات ومما ساعد على عملية التطوير و الابتكار للمنتجات المالية انتشار الندوات و المؤتمرات عن البنوك الإسلامية على مستوى العالم ،و اعتراف الجهات الغربية بأهمية هذه التجربة و سرعة نجاحها ،و قد جاء تأكيد ذلك في تقرير صندوق النقد الدولي الذي صرح أن النظام المالي الإسلامي المرتكز على المشاركة في الربح و الخسارة دون حساب سعر الفائدة أكثر استقرارا من النظام المالي الغربي ، وعلى المستوى الرسمي ألتنظيري بدا ظهور قوانين البنوك الإسلامية و اهتمت البنوك المركزية بالتجربة الإسلامية وسعت لإصدار تشريعات لها ومتابعة الرقابة عليها بعد أن كانت تؤسس بقوانين خاصة استثنائية و هذا كله يستلزم التأصيل للمنتجات الحالية و طرح المزيد منها .[3]
هذا و إن الضوابط الشرعية تنقسم إلى ثلاث أقسام :
الأول :
- الأمور التي يجب توافرها في المنتج المطوّر أو المبتكر
الثاني :
الأمور التي يجب أن يخلو منها المنتج المبتكر أو المطوّر .
الثالث :
- الأمور الإجرائية التي يجب تحقيقها لنفاذ المنتج مع أمور أخرى تتعلق بهذه الجوانب الأساسية .
و فيما يلي بيان ما يندرج تحت كل قسم :
ما يجب توافره في تطوير أو ابتكار المنتج
1- تعلق المنتج بغرض مشروع نافع للمجتمع و ليس بمحرم و لا مكروه
إن العمل المصرفي الإسلامي ينطلق من تصور الإسلام ،و منهجه في الاستثمار و المشاركة التي تخضع لمعايير الحلال و الحرام ،و يترتب على ذلك :
1-توجيه الاستثمار ، وتركيزه في دائرة إنتاج السلع و الخدمات التي يحتاج إليها الإنسان المسلم .
2-تحري أن يضع المنتج سلعته في دائرة الحلال .
3-تحري أن تكون كل المراحل الإنتاجية ،العملية ( تمويل تصنيع بيع شراء ) في دائرة الحلال .
4-تحري أن تكون أسباب الإنتاج ” أجور ، نظام عمل ” منسجمة مع دائرة الحلال .
5-تحكيم مبدأ احتياجات المجتمع ،و مصلحة الجماعة قبل النظر إلى العائد الذي يعود على الفرد .
و مراعاة هذه الأمور تؤدي إلى ربط التنمية الاقتصادية بالتنمية الاجتماعية ، و الأصل في ذلك أن المصرف الإسلامي ينطلق من تصور الإسلام ومنهجه الخاص فهو دين الوحدة للجوانب المختلفة للحياة ، ولا تنفصل عن بعضها البعض .
فالمال يجب أن يكون دوره إيجابيا في المجتمع و أن يوظف لخدمة المجتمع ،و لحل أزماته ، و يتمثل ذلك في التمويل المشروع و المضاربة و المشاركة …و استخدامه في المصانع ، والمعامل ، و المقاولات ..التي تعود على المجتمع بالخير ،و الرفاهية و السعادة .. لذلك نرى الشاطبى رحمه الله تعالى يصف المسلمين الأوائل بقوله ” و تجدهم في الإجارات و التجارات لا يأخذون إلا بأقل ما يكون من الربح ، و أو الأجر لذلك بالغوا في النصيحة فوق ما يلزمهم ،لأنهم كانوا وكلاء للناس لا لأنفسهم ،بل كانوا يرون المحاباة لأنفسهم – وان جازت كالغش لغيرهم “[4] .
2- تحقق التراضي الذي ليس فيه شوائب للإرادة
وهو أن يقوم المنتج المطوّر أو المبتكر على أساس التراضي و الإرادة السليمة و لا يتضمن أمورا سالبة لإرادة المتعاملين بالمنتج ، و لو لم تصل إلى درجة الإكراه الملجئ أو الإذعان .. وذلك لأن التعامل في الشريعة الإسلامية أساسة الرضا فتنعقد العقود و التصرفات بالاتفاق بين أطرافها دون إلزام احد الأطراف بما لا يلزمه شرعا بحيث لا يقدم عليه إلا تحت وطأة الحاجة .. و إذا كان لا بد من بعض الالتزامات فيجب أن يمنح للمتعاقد الخيارات الشرعية المعروفة [5] .
و قد جاءت النصوص من القرآن و السنة في و جوب إرساء المبادلات على أسس متينة من التراضي النقي عن الشوائب ،و أن ما عداه أكل للمال بالباطل (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) [6] .لكن هذا التراضي ليس مطلقا، بل يتقيد بالضوابط الشرعية وفي ذلك يقول أمام الحرمين : الأصل المقطوع به في المعاملات أتباع تراضي الملاك …فالقاعدة المعتبرة أن الملاك مختصون بأملاكهم لا يزاحم احد مالكا في ملكه من غير حق مستحق … فإذا تراضوا بالتبادل فالشرع قد يضرب على المتقدمين ضروبا من الحجر في كيفيه المعاملات استصلاحا لهم و طلبا لما هو الاحوط و الاغبط …ثم لو تراضي ..[7] الملاك على تعدي الحدود في العقد لم يصح منهم التو اطو و التراضي …
3- مشروعية الآلية و العقود المستخدمة في المنتج
لا تتحقق مشروعية المنتج إلا بمشروعية الآلية التي تسلك لتطبيقه و سلامة العقود التي تبرم لتنفيذه ، لأنه كما يجب أن تكون المقاصد مشروعة يجب أن تكون و سائلها و أدواتها مشروعة .
ولولا هذا لظهرت كثير من المنتجات المالية التي تبدو من حيث المبدأ مقبولة شرعا ، لكن تنفيذها يتم عبر عقود غير صحيحة ووسائل غير مشروعة .
و لتحقيق مشروعية الوسائل يجب أن تخلو عن الصورية والتحايل ،و التلاعب بالتسميات أو التغييرات الشكلية التي لا اثر لها على جوهر الموضوع .
4-تحمل الضمان و أعباء الملكية ،و المشاركة في الربح و الخسارة .
إذا كان المنتج قائما على أساس المشاركة فإن مقتضى المشاركات من حيث العلاقة بين المشتركين فيها هو الاشتراك في الربح و الخسارة ،بصرف النظر عن صيغة توظيف موجودات المنتج لتنمية الموجودات من متاجرة أو إجارة أو غيرهما .
و مع أن بعض الاتجاهات الفقهيه لا ترى بأسا في تفاوت حصص الربح عن حصص الملكية ( بخلاف الخسارة المتفق على و جوب تطابقها مع الملكية ) فإن المتبع هو التطابق بين نسبة الربح و نسبة الملكية أما تحمل أعباء الملكية فيتحمل المالك للموجودات الأعباء و التبعات المترتبة على ملكيته لها ، سواء كانت الأعباء مصاريف استثمارية أو الهبوط في القيمة …الخ فإنها تحمل على المالك و ليس على المستفيد من الموجودات إلا إذا كانت المصاريف تشغيلية أو دورية منضبطة فإنها يمكن اشتراطها على المستفيد من تلك الموجودات و يظل المالك ملتزما بالأعباء المتعلقة بالصيانة الأساسية ، أما الضرائب فإذا كانت تتعلق بالملكية فهي على المالك .
هذا و يتنافى الضمان مع كل من المضاربة أو الوكالة أو الشركة و هي الصيغ الثلاث التي تدار بها المنتجات غالبا ، فلا يتحمل المصدر للمنتج الخسارة و لا يضمن رأس مال المشرك فيه لان ذلك يحول العملية إلى ربا حيث يحصل المستفيد من المنتج على ربح لما ليس ضامنا له و قد نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن ربح ما لم يضمن
وكذلك الحال في بقية المشتركين في المنتج لا يضمن احدهم غيره و لذا كانت الأسهم الممتازة ممنوعة شرعا ، لأنها تقوم على أساس ضمان بقية حملة الأسهم أو الوحدات أو الصكوك لحاملي الممتازة منها .
الأمور التي يجب خلو المنتج منها
بعد بيان ما سبق بشأن المتطلبات الشرعية الواجب مراعاتها في تطوير أو ابتكار منتج ، فان هناك ما يجب تجنبه من أسباب فساد المعاملات ،و هذه الأسباب بمثابة قيود أو إطار وقائي أو منطقة محمية لا يجوز الدنّو منها .
و إذا كانت الممنوعات في التعامل عديدة فإن سبب ذلك أنها استثناء من كون الأصل في المعاملات الإباحة .
و الأمور التي يجب تحاشيها تنضوي تحت مقاسم رئيسة لوحدة المعنى فيها و لو تعددت التسميات و أهمها تجنب :
- الجهالة
- الغرر
- الربا بأنواعه و صوره .
- انتفاء الضمان أو تداخله أو تحميله للغير ، و ما يؤدي إلية من صور
- أكل المال بالباطل و بالاشتراط دون المبادلة المشروعة .
أ-الجهالة
يجب خلو المنتج المطوّر أو المبتكر من الجهالة فيما يجب معلومتيه وذلك لأن الجهالة من الشوائب التي تؤثر على إرادة العاقدين .و إذا كانت الجهالة كثيرة (وتسمى الجهالة الفاحشة ) فإنها تعتبر عيبا من عيوب العقد يؤدي إلى فساده إذا كان من عقود المعاوضات ( المبادلات المتكافئة ) . فلا بد من العلم بالمعقود عليه سواء في ذلك المبيع بتحديده بما يميزه عن غيره أو بيان صفاته أو مقداره ، أو الثمن ببيان مقداره أو اجله إذا كان مؤجلا .
وإذا أمكن إزالة الجهالة في مجلس التعاقد فان العقد ينقلب صحيحا لانتفاء السبب الذي أدى لفساد العقد . كما انه يستعان بالأعراف لدى التجار و أهل الصنعة بديلا عن كثير من البيانات ، لأن الإحالة إلى العرف الصحيح و الرجوع إليه ، كثيرا ما يحقق المعلومية المشترطة في العقد .
و هناك أنواع من الجهالة مغتفرة ، مثل الجهالة التي تزول بالحساب، و الجهالة التي تؤول إلى العلم بمجرد انتهاء انجاز العمل .
و الحكمة في فساد العقد بوجود الجهالة فيه أنه لا يتوافر التراضي المشترط في العقود ، وذلك لأن الجهالة الفاحشة تؤدي إلى النزاع ،كما لو باع شاة من قطيع ، فإن المشتري يطالب بالأحسن و البائع يقدم الأسوأ ، و الشريعة تمنع كل ما يفسد العلاقات و يسبب المشكلات و تحرص على وضع الضوابط التي يستقر بها التعامل ، وتحقيق مصالح الأطراف المختلفة .
ب- الغرر :
معنى الغرر المخاطرة و التردد بين أمرين احدهما مقصود و مرغوب للعاقد ، والآخر على عكسه ، و قد يقع الشك في وجود الشيء أو في عاقبته كيف تكون ، أو في المقدرة على تسليمه ، أو مقداره أو أوصافه ….
و الغرر إما أن ينشأ عن صيغة العقد ، أو عن طبيعة المعقود عليه .
و قد ورد النهي عن بيع الغرر في الحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى بيع الغرر . أخرجه مسلم .
ويكون الغرر مؤثرا في إفساد العقد إذا توافرت فيه أربعة شروط هي :
1- أن يقع في عقد معاوضة ،أي مبادلة تجارية ، كالبيع و الإجارة ، فلا يصل إلى كل من الطرفين ما قصد بالمبادلة عليه بسبب الغرر .
2- أن يكون الغرر كثيرا . أما الغرر اليسير فلا يؤثر، لعدم خلو العقود عنه .
3- أن يكون الغرر في المعقود عليه أصالة ،فلو كان في توابعه لم يؤثر . فبيع الحمل مع أمه جائز ، أما بيعه و حده فلا يجوز ، لأنه إذا لم يحصل بطل المعقود عليه .
4- أن لا يكون للناس حاجة ماسة إلى العقد المشتمل على غرر يسير . كعقد السلم .
و الحكمة من النهي عن بيوع الغرر هي اختلال الرضا ، بحيث يترتب على ذلك أكل المال بالباطل ، وهذا مظنة العداوة و البغضاء : قال الإمام النووي : النهي عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل كثيرة جدا .
ومن تطبيقات الغررالتي لها علاقة وثيقة بالضوابط الشرعية للتعامل بعقود مركبة ( منظومات ):
-الجمع بين صفقتين في عقد و احد و تسمى ( بيعتين في بيعة ) و لهذه المعاملة تسمية أخرى و هي ( صفقتان في صفقة ) و الصفقة هي العقد … و الصفقة تشمل البيع و غيره من العقود ، كالإجارة و القرض و غيرهما .
وللفقهاء في تفسير ( البيعتين في بيعة ) آراء كثيرة و متعددة و كلها من الصور الممنوعة شرعا ، بصرف النظر عن الأصح منها في إطلاق هذا الاسم عليه و منها:
- إذا كان البيع بالأجل ( و هو جائز شرعا مع زيادة الثمن عن البيع الحال ) فالممنوع هو تحديد ثمنين في حالة النقد و في حالة التأجيل و إبرام العقد دون اختيار احدهما بل يترك لمشيئة كل من العاقدين
- أن يشترط المتعاقدان في العقد عقدا آخر كأن يقول احدهما : بعتك داري هذه بكذا على أن تؤجرني دارك لمدة سنة بكذا .
و الممنوع إنما هو اشتراط عقد في عقد آخر أما إذا اشترط في العقد شرط فيه مصلحة و لا ينافي مقتضى العقد فهذا جائز ، ولكن يمنع اشتراط شرطين في العقد الواحد لأنه يؤدي أيضا إلى الغرر في حالة تحقق احدهما دون الأخر فيحصل تردد العقد بين وجوده بتحقق الشرطين أو عدم و جوده بتحقق احدهما .
والحكمة من منع ( البيعتين في بيعة ) بشتى التفسيرات : هي و جود الغرر و عدم استقرار التعامل ، للتردد في الثمن أو في الشيئين المعقود عليهما ، و قد يرضي المتعاقدان إحدى الصفقتين دون الأخرى المربوطة بها ، فيلغيانهما معا .
ج-الربا الصريح أو الضمني :
لا يخفى أن من الواجب في أي منتج خلوه من الربا سواء كان صريحا ظاهرا أو كان ضمنيا من خلال بعض التصرفات التي تنطوي على تعامل بالربا مثل بيع العينة .و معنى الربا في اللغة : الزيادة و معناه شرعا : فضل خال عن عوض مشروط في المعاوضة و ينقسم الربا إلى :
- ربا الفضل و هو الزيادة في مقدار احد البدلين المتماثلين
- ربا النسيئة ، و هو الزيادة في نظير الأجل و كان الدائن في الجاهلية يقول : للمدين:
( زدني أنظرك ) أي أخر الأجل لقاء الزيادة أو : ( أتقضي أو تربي ) .
- ربا القرض ، وهو النفع الذي يشترطه المقرض على المقترض ، بزيادة المبلغ المسترد ، أو بمنفعة مع المبلغ . و القاعدة في ذلك أن كان قرض جر نفعا للمقرض فهو ربا .
و الربا في الأنواع الثلاثة محرم شرعا ، و قد ثبت تحريمها بالقرآن و السنة و إجماع الفقهاء و هو قائم على الظلم لان المتعامل بالربا لا يتحمل المخاطرة إذ ينفرد بها المقترض و مع ذلك يحصل المقرض على زيادة عن أصل رأس ماله . وقال الله تعالى ( و أحل الله البيع و حرم الربا ) وقال ( وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين ، فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ).
د-الجمع بين العوضية و السلفية
منع اشتراط تعجيل الجعل قبل قيام تمام العمل ، سواء احصل نقد و تسليم للجعل بالفعل أم لا ، لدوران الجعل بين( المعاوضة )، إن وجد العامل الضالة مثلا وأوصلها إلى الجاعل ، و( القرض )، إن لم يوصلها له بأن لم يجدها أصلا أو وجدها و أفلتت منه في الطريق و الدوران بين المعاوضة و القرض من أبواب الربا ، لأنه قرض جر نفعا احتمالا .
و قد فسر الإمام محمد بن الحسن السلف و البيع بأن يقول شخص لآخر : أبيعك داري هذه بكذا على أن تقرضني كذا . و ذلك لان الانتفاع بالقرض هو من جملة الثمن حيث يكون منخفضا ، و القرض هنا جر نفعا للمشترى المقرض ، أو هو من جملة السلعة المبيعة إن كان المقرض هو البائع . فهو وسيلة إلى الربا الممنوع شرعا ، وان كان في الظاهر بيعا ، فيحرم سٌد ًا للذريعة .
و قد جاء في الحديث المذكور المنع من اشتراط شرطين في العقد الواحد ،لأن في ذلك اضطرابا في التعاقد حين يوجد احد الشرطين دون الآخر و الحاجة تتحقق باشتراط شرط و احد ممالا ينافي مقتضى العقد و فيه نفع معلوم للبائع أو المشترى .
و إذا كان الشرط من مصلحة العقد فهو جائز حتى لو تعدد ، مثل أن يشترط تقديم رهن ، و يشترط تقديم كفيل أيضا ،أو يشترط الخيار ، لحديث ( المسلمون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو احل حراما ) .
هـ – ألمصارفه المؤجلة :
بيع الذهب و الفضة و العملات بعضها ببعض يسمى ( الصرف ) أو ( المصارفة ) و هو جائز شرعا سواء كان للحاجة إلى النوع الذي ليس عند المشتري ، أو للتجارة و تحصيل الربح ، مع مراعاة الشروط الشرعية للصرف و هي :
أ*- إذا بيع الجنس بجنسه و جب التماثل ، كما يجب أيضا التقابض
ب*- إذا بيع الذهب بالفضة ، أو بيع الذهب أو الفضة بإحدى العملات ، أو بيعت عملة بأخرى كالريال بالجنيه مثلا ، فانه يجوز التفاوت في المقدار أي كمية البدلين ، ولكن يجب التقابض بين المتصأرفين في المجلس قبل أن يفترقا .
و كما لا يجوز الأجل في عقد الصرف ( بيع العملات ) لا يجوز و جود خيار الشرط ( أي حق الفسخ خلال مدة ) لأنه يترتب عليه تأخير لزوم العقد ،و تأجيل التقابض للبدلين .
و الحكمة في تحريم بيع الذهب أو الفضة أو العملات بالأجل ،أو مع تأخير التقابض هي أن التأخير يعتبر ذريعة إلى ربا النسيئة . و الأثمان سواء بالخلقة ( الذهب و الفضة )أم ما اخذ حكمها ( العملات النقدية ) هي وسيلة للتبادل ،فيجب وقوع التبادل الفوري .. و يراعى في ذلك ما جرى العرف على اعتباره قبضا ، كالقيود المصرفية ، مع التسامح في التأخير الذي يحصل بسبب عمليات التحويلات المصرفية ، و قد اعتمدت ذلك مقررات المجامع الفقهية
و- بيع الدين بالدين :
ورد المنع من بيع الدين بالدين لوجود الغرر ، لأن الدائن لا يقدر على تسليم المعقود عليه لأنه في الذمة . و الغرر هنا كثير لأن البدلين ( المبيع و الثمن ) دينان في الذمة .
و لذلك اشترط في بيع السلم تعجيل الثمن ليبقى المؤجل هو المبيع فقط .
و من بيع الكالئ بالكالئ بيوع المستقبليات التي تسمى عقود الفيوتشر لأن تسليم البدلين فيها مؤجل إذ لا يعجل الثمن كالسلم بل يدفع جزء يسير منه .
استثنى فقهاء الحنفية من بيع الدين لغير من عليه الدين – الممنوع شرعا – ثلاث حالات جائزة و هي :
1-إذا سلط الدائن دائنه على قبض الدين على شخص ثالث و استيفاء حقه عليه، فيكون وكيلا قابضا للموكل ، ثم لنفسه ,
2-الحوالة ، بأن ينقل دينه من ذمة شخص إلى ذمة شخص آخر .
3-الوصية ، بأن يوصي لشخص بتملك ديونه لدى الغير بعد الموت .
أما بيع الدين إلى المدين نفسه فهو جائز لأن المانع هو العجز عن التسليم ، و هو في هذه الحالة غير محتاج إليه لأن المبيع في ذمة المشتري أصلا .
ز- انتفاء الضمان ،أو تداخل الضمانين ، أو تحميل الضمان للغير :
سبق أن من الأمور الواجب توافرها تحمل الضمان و أعباء الملكية ،و عليه فإن أي منتج يراد تطويره أو ابتكاره لا يجوز أن ينتفي فيه تحمل الضمان بأن يبيع الشخص ما لا يملك و لم يدخل في ضمانه ، ثم يشتريه و يسلمه ( بيع مالا يملك ) أو أن تقع المعاملة بصورة يتداخل فيها ضمان طرفين ،احدهما وكيل تحول إلى مشتر ، و الآخر بائع خرجت السلعة من ملكه ،و لا يوجد تحديد لمرحلة ضمان كل منهما ،و هذا ما يحصل في حالة تولي شخص و احد طرفي العقد كما لو باع الوكيل مال الموكل لنفسه دون الرجوع إلى الموكل ليحصل منه البيع (الإيجاب ) و يقترن بالقبول من الوكيل لذا ورد أيضا النهي عن (ربح ما لم يضمن ) ، و من ذلك تضمين الأمناء من وكيل أو مضارب أو أجير أو مودع لديه بأن يشترط عليهم الضمان لينتفي ضمان الموكل أو رب المال أو المودع .
و من أهم هذه الصور التي يراد بها انتفاء الضمان عمن يجب أن يتحمله .
-البيع قبل القبض :
تعددت الاجتهادات الفقهيه في اختصاص النهي ببيع الأطعمة ( الأقوات و الأغذية ) أو عمومه في كل مبيع كما هو قول ابن عباس عقب روايته للحديث : و لا أحسب كل شيء إلا مثله ،أي مثل الطعام في الحكم ، و كما جاء في الحديث الذي رواه حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله إ ني اشتري بيوعا ، فما يحل لي منها و ما يحرم علي ؟ قال : ” إذا اشتريت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه “. و المراد بالبيع : الشيء المبيع .
و الحكمة في النهي عن بيع الإنسان ما اشتراه قبل أن يقبضه أن الشيء قبل قبض المشتري له لا يدخل في ضمانه ، فإذا باعه قبل قبضه له نشأ الربح عن بيع شيء لم يضمنه ، و قد روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ” لا يحل سلف و بيع ، ولا بيع ما ليس عندك ” أخرجه الترمذي و لأن الملك قبل القبض ضعيف ، لاحتمال انفساخ العقد بتلفه ، فيكون بيعه قبل قبض المشتري له لونا من ألوان الغرر ، لاحتمال عدم تمام الصفقة .
وهناك حكمة أخرى بالنسبة للمنع من بيع الطعام قبل قبضه، وهي أن المنع يؤدي لتقليل تداول أيدي التجار للأغذية قبل وصولها للمنتفع بها ، لكيلا ترتفع أثمانها دون أية إضافة و يتضرر المشترون لها لسد حاجتهم بها .
والقبض كما يكون بأخذ الشيء باليد ن فانه يحصل بوسائل أخرى حسب طبيعة الشيء ، كما انه يحصل بالتمكين و ألتخليه ( القبض الحكمي ) .
– بيع ما لا يملك:
قال حكيم ابن حزام رضي الله عنه قلت : يا رسول الله ، يأتيني الرجل يسألني البيع ، و ليس عندي ما أبيعه ، ثم ابتاعه من السوق ، فقال : لاتبع ما ليس عندك . أخرجه احمد و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجه .
و قد ورد أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم .
و الحالة الممنوعة هي أن يبيع فعلا ما ليس عنده ثم يشتري السلعة و يسلمها .و هذا يجعل الربح حاصلا بدون ضمان لأنه لا يخشى بقاء السلعة على ملكه و تعرضها للتلف ،فيتسلمها و يسلمها فورا . و ليس ممنوعا السلم بشروطه و منها تعجيل الثمن كما أنه ليس من الممنوع وعد البائع للمشتري الراغب في سلعة ليست متوافرة عند البائع بأنه سيشتريها و يبيعها إليه ،لأن الوعد بالبيع ليس بيعا ، فلا ينطبق عليه انه بيع ما ليس عند الإنسان . فإذا ملكها الواعد فعلا قام ببيعها للموعود وهذه هي الصيغة المستخدمة في البنوك الإسلامية و تسمى : بيع المرابحة للآمر بالشراء .
ط- أكل المال بالباطل :
حرم الله تعالى أن يأكل بعض الناس مال بعض بالباطل ، وذلك في آيتين من كتاب الله ، هما قوله تعالى في سورة البقرة : ( و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) و قوله في سورة النساء ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) .
قال ابن العربي : هذه الآية من قواعد المعاملات ، و أساس المعاوضات ينبني عليها ، و هي أربعة : هذه الآية ، وقوله تعالى (وأحل الله البيع و حرم الربا ) و أحاديث الغرر ، واعتبار المفاسد و المصالح . ثم قال : قوله ( بالباطل ) اخرج كل عوض لا يجوز شرعا ،من ربا أو جهالة أو تقدير عوض فاسد ،كالخمر و الخنزير ووجوه الربا.
ويشمل ذلك اخذ المال بالاشتراط دون مبادلة بأصل أو منفعة ،لأن ذلك يندرج في القمار الذي يؤخذ فيه المال بظهور رقم أو تحقق شرط بين الطرفين .[8]
ي- التدليس أو الاحتيال أو الصورية :
يجب خلو المنتج من أية صورة من صور التدليس التي يراد بها إخفاء ما في المنتج من عيوب ، أو الغش في مكوناته لإخفاء رداءته ،و كذلك التصرفات الصورية أو الوهمية التي تتم على المستندات لإظهار شيء على خلاف الحقيقة ، وذلك للتذرع بالتصرف الصوري إلى محرم.
ك – اشتراط ما ينافي مقتضى العقد :
في حال اشتراط ما ينافي العقد – في منتج ما- تصبح المعاملة من قبيل أكل المال بالباطل ، كما سبق ، لأن المال يؤخذ فيها تحت ستار عقد لا يقصد به حقيقته بسبب إخلائه من مضمونه باشتراط ما ينافي مقتضاه .
ومن ذلك صور المشاركة التي يحدد فيها الربح بمبلغ مقطوع ، لأن ذلك يؤدي إلى قطع المشاركة في الربح و هو مقتضى المشاركة .
ل – اشتمال المنتج على ما فيه عون على محرم :
مثل رهن الأصول التي يمثلها المنتج لأمر محرم كالاقتراض بالفائدة إذ كما لا يجوز الدخول في الربا أخذا أو عطاء لا يجوز التوسط فيه أو توثيقه أو تقديم ضمانات له .
* *****************************
ما لا يشترط في تطوير و ابتكار المنتجات المالية
1- لا يشترط و جود عقد مسمى ، بل يمكن بعقد مستحدث (حرية التعاقد ) .
2- لا يشترط وجود قرار مجمعي ، وان كان الأولى و جوده و عدم التعارض معه .
3- لا يشترط وجود اجتهاد فقهي سابق وان كان الأولى و جوده ليستأنس به .
4- لا يشترط وجود نص شرعي صريح بل يكفي القياس و المصالح المرسلة بضوابطها
و ليس معنى عدم اشتراط وجود عقد مسمى أن يحصل الاتفاق على أي وجه كان ،بل لا بد من مراعاة القواعد العامة و تجنب المحاذير الشرعية في مجال التعامل مما سبق بيان بعضه.
ضوابط ابتكار منتجات مالية
و هناك ضوابط لاستحداث عقود جديدة منها .
أ – التزام النصوص الخاصة بالموضوع مهما كانت طريقة دلالتها .
ب_ التزام النصوص العامة و لاسيما في الزمرة التي ينتمي إليها الموضوع ، لمنع التداول أو التكرار في الماهيات و الأغراض .
ج- مراعاة القواعد العامة في الشريعة ، و هي عبارة عن كليات من نصوص بأعيانها أو تعابير مستوحاة بدقة من عدة نصوص . و هذه القواعد الشرعية أحيانا تكون مصوغة على شكل مبادئ ، و أحيانا تظل أفكارا كثيرة التداول بين الفقهاء و موضع تسليم منهم مطلقا ، أو مع بعض استثناءات لا يقدمون عليها إلا باستدلال قوي يستوجب إخراجها من الأصل .
و هذا النوع الأخير يغفله أكثر المعاصرين المشتغلين بمجال الاجتهاد الجزئي لأنهم في الغالب لم تتوفر لديهم مؤهلات الاجتهاد العام و أهمها مراعاة هذا النوع في حين لم يغفله احد من المجتهدين المطلقين أو المقيدين أو المختارين ، و كذلك من زاول صورة من صور الاجتهاد تحت اسم التخريج أو الترجيح ، و أحيانا الاجتهاد في مسألة و أحدة (الاجتهاد الجزئي ) .
ولعل الحرص على مراعاة ذلك هو الذي يدفع إلى البحث عن موقف الفقهاء السابقين في القضايا المستجدة مع الحذر من إهمال التفرقة بين ما هو رأي شرعي لهم تواردوا عليه صراحة أو ضمنا و بين ما هو حكم مستند إلى العرف و أعطى صفة الشرعية لأنه مادام عرفا فهو كذلك ، فإذا تغير انتهت شرعيته وربما كانت حينئذ عكسه
و ما سبق من ضوابط هو من الناحية الايجابية.
أما الضوابط السلبية التي من الضروري التحري عنها فمنها :
د- عدم السعي إلى الموافقة المطلقة و لا إلى المخالفة المقصودة للأوضاع المتعامل بها مهما غلبت و انتشرت وما لم تكن قد بلغت حد الضرورة الشرعية أو الحاجة العامة ،فحينئذ لا يتصور أن تظل محل حظر ، فإما أن تعالج بالفهم الدقيق المؤدي إلى تخريج شرعي و أيضا إلى بنائها مباشرة على قاعدة الضرورة و الحاجة العامة .
هـ – عدم التأثر بالمنهج غير الإسلامي سواء في تطبيقاته التفصيلية أو في روحه العامة …وهذا التأثر كان معدوما تماما في عصور الاجتهاد و ما تلاها إلى مطلع العصر الحديث ( القرن الثالث عشر ) حيث ظهرت المناهج التشريعية غير الإسلامية في المؤلفات الحقوقية و في القوانين ‘ و صار يحسب لها حساب للبقاء في ظلها ، أو المقاربة لها و أحيانا يكون التأثر تحت دافع الدفاع عن الشريعة ( أو بالتعبير الدقيق : الاعتذار عنها لما يحسبه الجاهل غير مناسب للعرض أو العمل به…) .
و المنهج المراد التحذير من التأثر به قد يظهر مباشرة في قضايا حقوقية و قد يكون في فكر سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي .
و -عدم الاكتراث بتغيير التسميات الذي لا يصاحبه تغير في حقائق الأشياء و ماهيتها .
ز- عدم العبث بالشروط بإلغاء بعضها مهما كثرت لأنها كالشرط الواحد في توقف المشروط على وجودها . و الحذر من تجزئة الماهيات الواحدة ظنا بأنها ماهيات مختلفة بعضها تتوافر فيه الشروط و بعضها يتخلف شرط أو أكثر، فيستصحب البعض مشروعيته مع الخروج من الماهية لموضوع ما بدعوى انه نوع أخر مستحدث ، إذ يؤدي هذا إلى تفريغ الحقائق من مضمونها .
*******************
الأمور الإجرائية الواجب تحققها
في تطوير و ابتكار المنتجات المالية الإسلامية
1-عدم التعارض مع القوانين ، أو النظام العام و تعليمات الجهات الرقابية و الإشرافية :
ذلك أن المطلوب في المنتج أن يكون ممكن التطبيق ،فإذا كانت القوانين تمنعه ،أو كان مخالفا للنظام العام ، أو كانت للجهات الرقابية تعليمات تحول دون تطبيقه فإن المضيّ فيه من العبث و تضييع الجهد و المال ، و لو كان المنتج صحيحا شرعا .
و كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتابه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عندما ولاه القضاء : إنه لا ينتفع بحق لا نفاذ له .
2- حماية المنتج المطور أو المبتكر :
بالرغم من أن الاستثمار المشروع يتنافى مع نفي المخاطرة كما سبق فإنه ليس هناك ما يمنع من إيجاد آليات للحماية أو لتوقي المخاطر أو تخفيفها مادامت تلك الآليات مشروعة ،
ومن أمثلة ذلك :
- التأمين الإسلامي ( التكافلي ) .
- تكوين الاحتياطيات العامة ، أو احتياطي مخاطر الاستثمار .
- التوقي من مخاطر العملات بالوسائل المشروعة البديلة عن الصرف المؤجل ….
كما أنه ليس هناك ما يمنع من إيجاد و سائل لانتظام العائد من المنتج ، مثل احتياطي المحافظة على مستوى الأرباح .
و أخيرا فإن الحصول على الضمانات في مجال المديونيات أمر مطلوب ، بل حتى في المنتجات القائمة على أساس المشاركة إذا كان الضمان من طرف ثالث ، أو كان من المدير أو الشريك و لكن لتغطية حالات التعدي أو التقصير أو مخالفة القيود و الشروط .
و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
*********************