تتضح نظرة الاقتصاديات المختلفة للعدالة الاجتماعية من خلال التحليل لمجموعة من المؤشرات الناتجة عنها وفي مقدمتها مدى إشباعها لحاجات المجتمع المختلفة، ونظرها إلى التفاوت بين أفراد ومكونات المجتمعات.
فالمذاهب الاقتصادية الحديثة تشترك في الخطوط العامة للحاجات الواجب توفيرها لكل أفراد المجتمع، ولكن تختلف في إلزامية هذا الإشباع.
فأصول الرأسمالية لا تلزمها بإشباع الحاجات الأساسية للأفراد، وما هو موجود حاليا من برامج لإشباعها إنما جاء نتيجة ضغوط معينة، ولذا بدأ البعض ينادون بالتخلي عنها من جديد.
والاشتراكية كانت تدرك أهمية الحاجات بشكلٍ عام والتزام الدولة بإشباعها، ولكن من الناحية العملية كان يحدد هذه الحاجات المشرفون، وبالتالي كان يتم التركيز على أشياء معينة مهمة في نظرهم ولو لم تمثل حاجة حقيقة عند أفراد المجتمع.
وأمَّا الاقتصاد الإسلامي فمسألة إشباع الحاجات ليست واجبًا حكراً على الدولة فقط، وإنما تبدأ من الفرد نفسه كعضو في أسرة اجتماعية ثم العاقلة والقبيلة، ثم كافة المجتمع والدولة.
ومن أهداف الإسلام الأولية إقامة التوازن الاقتصادي والاجتماعي من منطلق العدالة، التي تقتضي أن كل جهة من الجهات الموجودة في المجتمع تنظر إلى صاحب الحاجة وحقه في إشباع حاجته، وتنظر إلى صاحب الجهد والعمل وحقه في أن ينال جزاء جهده وعمله.
وليس القضاء على التفاوت في الثروة والدخل وتحقيق المساواة في الثروات والدخل هو هدف الاقتصاد الإسلامي، فالإسلام يعترف بالغنى في كل الأحوال ولكن يُرتب عليه واجبات. وما يجب فيه التساوي هو أن يتساوى الناس في تهيئة الفرص للإنتاج والعمل والإبداع والتأهيل.
ومن خلال النظر في الدخل القومي لدول العالم نلاحظ أن الدول الغنية تستأثر بقرابة ثلاثة أرباع الناتج العالمي، وأن التفاوت حاصل أيضاً بين المسلمين أفرادا ودولا، وهذا يُورث آثارًا سلبية خطيرة تساهم في زعزعة البنيان الاجتماعي المتماسك للمسلمين، ويُنتج ثغرةً يدخل منها الآخرون إلى المجتمعات المسلمة.
وللتفاوت الفاحش آثار اجتماعية منها غياب العدالة، وزيادة حدة مشكلة الفقر، والاحتكاك بين الطبقات الاجتماعية، وتفجر الثورات، ويعمُّ عدم الاستقرار الاجتماعي وبالتالي السياسي والاقتصادي. كما أن التفاوت في الدخل يؤدي إلى الفقر، وهبوط مستوى الدخل وانتشار البطالة، ويؤدي إلى الضياع الاقتصادي.