الحمد لله الذي أنزل القرآن تبياناً لكل شيء ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، الذي ناط الله به مهمة البيان، بقوله: (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزّل إليهم )) (النحل : 44 ) ، فكانت سيرته وسنته هما البيان النبوي العملي ، والصورة التطبيقية المعصومة لتنزيل الآيات على واقع الناس، واقترنت السّنة بالقرآن وسيلة للبيان ومصدراً للأحكام ، وبعد ،
فهذا كتاب الأمّة الرابع والعشرون (في الاقتصاد الإسلامي : المرتكزات ـ التوزيع ـ الاستثمار ـ النظام المالي ) للدكتور رفعت السيد العوضي ، في سلسلة الكتب التي يصدرها مركز البحوث والمعلومات برئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية في دولة قطر ، مساهمة في تحقيق الوعي الحضاري ، والتحصين الثقافي ، وإعادة بناء الشخصية المسلمة بعد أن افتقدت كثيراً من منهجيتها وفاعليتها ووسطيتها التي تؤهلها للشهادة على النّاس والقيادة لهم ، وإلحاق الرحمة بهم بتقويم سلوكهم بشرع الله ، وانتشالهم من التورط الاقتصادي والتحكم الثقافي الذي لا تزال مؤسساته التي تعبر عنه تعمل عملها في الحياة الإسلامية ، الأمر الذي أدّى إلى شيوع المناخ الثقافي الذي يمثل فكر الاستعمار وتشكيل الإنسان المسلم وفق الأنماط الاستعمارية حتى تجري عليه سنّة التقليد كما تجري على كل كائن فقد صلته بفكره الأصيل ، فلا يعود يرى حل مشكلاته ومعالجة قضاياه إلاّ من خلال القوالب والمناهج والمقاييس التي اكتسبها من التبعية الثقافية والمناخ الاستعماري، وإذا امتلك الخيار فإنما يقتصر خياره على ساحة الحلول المطروحة من الخارج الإسلامي ، مع شيء من التلفيق ، لكنه يبقى عاجزاً عن التفكير في ارتياد طريق آخر هو الطريق الإسلامي المتميز بعد أن طال على العقل المسلم الأمد في التقليد والتوقف عن الاجتهاد والعطاء ، فاقتصر على النظر والاجتهاد والفتوى على تسويغ وتبرير بعض أشكال وأعمال مؤسسات الاقتصاد الربوي ، مستخدماً فقه الحيل ، أو مبيحا الربا تحت عنوان : الضرورة ـ فالضرورات تبيح المحظورات ـ مسويا المصلحة بالضرورة ، متناسياً أن الضرورة حالة مؤقتة استثنائية ، تعرض للفرد والأمة، وليست هي الأصل المستمر ، وأن الضرورة تقدر بقدرها .